الخميس، 4 أبريل 2013

رسالة أبو جعفر المنصور إلى محمد ذو النفس الزكية


رسالة أبي جعفر المنصور (عبد الله بن محمد) يَرُدُّ بها على الحجج التي أرسلها محمد بن عبد الله بن الحسن (الملقَّب بالنفس الزكيَّة):
"من عبد الله أمير المُؤمنين إلى محمد بن عبد الله بن حَسن، أمَّا بَعْدُ؛ فقد بلغني كتابُك، وفهمتُ كلامَك، فإذا جُلُّ فَخْرِكَ بقَرابة النِّساء؛ لتُضِلَّ به الغوغاء، ولم يَجعل اللهُ النساءَ كالعُمومة والآباء، ولا كالعَصَبَة الأولياء؛
لأنَّ الله جعل العمَّ أبًا، وبدأ به في القرآن على الوالد الأدنى، ولو كان اختيارُ الله لهنَّ على قدر قَرابتهن لكانت آمنة أقربَهن رَحِمًا، وأعظمَهن حقًّا، وأوَّلَ مَن يدخل الجنَّة غدًا، ولكنَّ اختيارَ الله لخَلقه على قَدْرِ عِلْمِه الماضي لهم. فأمَّا ما ذكرتَ من فاطمة جدَّة النبيِّ  وولادتها لك، فإنَّ الله لم يَرزق أحدًا من وَلدها دينَ الإسلام، ولو أنَّ أحدًا من ولدها رُزق الإسلام بالقرابة لكان عبد الله بن عبد المطلب أَوْلاهم بكُلِّ خَيْر في الدُّنيا والآخرة، ولكنَّ الأمرَ لله يَختار لدِينه مَن يشاء، وقد قال جَلَّ ثناؤه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[القصص: 56].
وقد بعثَ الله محمدًا  وله عُمومة أربعة، فأنزل الله عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[الشعراء: 214]، فَدعاهم فأنذرهم، فأجابه اثنان أحدُهما أبِي، وأَبَى عليه اثنان أحدُهما أبوك، فقطع الله ولايتَهما منه، ولم يَجعل بينهما إِلاًّ ولا ذمَّة ولا مِيراثًا. وقد زعمتَ أنَّك ابنُ أخفِّ أهل النار عذابًا وابنُ خير الأشرار، وليس في الشرِّ خِيارٌ، ولا فَخْرَ في النار، وسَترد فتَعلم؛ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[الشعراء: 227].
وأمَّا ما فَخرتَ به من فاطمةَ أمِّ عليٍّ، وأنَّ هاشمًا ولد عليَّا مرَّتين، وأنَّ عبد المُطَّلِب وَلَدَ الحَسَنَ مرَّتين، وأنَّ النبي وَلَدَكَ مرَّتين، فَخَيْرُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ رسولُ الله  لم يَلده هاشمٌ إلاَّ مرَّة واحدة، ولا عبدُ المُطَّلِب إلاَّ مرَّة واحدة. وزعمت أنَّك أوسطُ بني هاشم نَسَبًا وأكرمُهم أبًا وأمًّا، وأنَّك لم تَلِدْك العَجم، ولمِ تُعْرِق فيك أمَّهاتُ الأولاد، فقد رأيتُك فَخرتَ على بني هاشم طُرًّا، فانظُر أين أنت -ويحك- من الله غدًا!! فإنَّكَ قد تعدَّيت طَوْرك، وفَخرت على مَن هو خيرٌ منك نفسًا وأَبًا وأوَّلاً وآخِرًا؛ فَخرتَ على إبراهيم ولد النبيِّ ، وهل خيار ولدِ أبيك خاصَّة وأهلُ الفَضل منهم إلا بنو أُمَّهَات أولاد؟!! وما وُلد منكم بعد وفاة رسول الله  أفضلُ من عليِّ بن الحُسين، وهو لأمِّ ولد، وهو خَيرٌ من جَدِّك حَسن بن حسن. وما كان فيكم بعدَه مثلُ ابنه محمد بن عليٍّ، وجدَّتُه أُمُّ ولد، وهو خيرٌ من أبيك، ولا مثلُ ابنه جَعفر، وهو خيرٌ منك، وجدَّته أُمُّ ولد.
وأمَّا قولُك: إنَّا بنو رسول الله  فإن الله يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: 40]، ولكنكم بنو ابنتِه، وهي امرأة لا تُحرز ميراثًا، ولا تَرث الوَلاء، ولا يَحلُّ لها أن تَؤُمَّ، فكيف تُوَرَّث بها إمامة، ولقد ظَلمها أبوك بكُلِّ وجه، فأَخرجها نهارًا ومرَّضها سِرًّا، ودَفنها ليلاً، فأبى الناس إلاَّ تقديم الشيخين وتفضيلَهما.
ولقد كانت السُّنَّة التي لا اختلاف فيها أنَّ الجدَّ أَبَا الأُمِّ والخال والخالةَ لا يرثون، وأمَّا ما فَخَرْتَ به من عليٍّ وسابقته، فقد حضرتِ النبيَّ  الوفاةُ، فأمر غيرَه بالصلاة، ثم أخذ الناسُ رجلاً بعد رجل فما أخذه، وكان في الستَّة من أصحاب الشُّورى، فتركوه كُلُّهم: رفضه عبدُ الرحمن بن عوف، وقاتله طَلحة والزبير، وأَبَى سعدٌ بيعتَه وأغلق بابَه دونه، وبايع معاويةَ بعده. ثم طلبها بكلِّ وجهٍ فقاتل عليها، ثم حَكَّم الحَكَمَيْنِ ورَضِيَ بهما وأعطاهما عهدَ الله وميثاقَه، فاجْتمعا على خَلْعه واخْتلفا في مُعاوية. ثم قال جدُّكَ الحسن فباعها بِخرَق ودراهم، ولَحِقَ بالحجاز، وأسلم شيعتَه بيد مُعاوية، ودَفع الأموالَ إلى غير أهلها، وأخذَ مالاً من غير ولائه، فإن كان لكم فيها حقٌّ فقد بِعْتموه وأَخذتُم ثمنَه.
ثم خرج عمُّك الحُسيَن على ابن مَرْجانة، فكان الناس معه عليه حتى قَتلوه وأَتَوْا برأْسِه إليه، ثم خرجتُم على بني أُميَّة فقتَّلوكم وصَلَّبوكم على جُذوع النخل، وأحرقوكم بالنِّيرانِ، ونَفَوْكم من البُلدان، حتى قُتل يحيى بن زيد بأرض خُراسان، وقَتلوا رجالَكم، وأسروا الصِّبية والنِّساء، وحَملوهم كالسَّبي المجلوب إلى الشام، حتى خرجنا عليهم، فَطلبنا بثأرِكم، وأدْركنا بدمائكم، وأورثناكم أرضَهم وديارَهم وأَموالَهم، وأردنا إشراككم في مُلكنا، فأبيتم إلاَّ الخروجَ علينا، وظننتَ ما رأيتَ من ذكرنا أباكَ وتَفضيلنا إيَّاه أنَّا نُقَدِّمه على العبَّاس وحمزةَ وجَعْفَرٍ، وليس كما ظننْتَ ولكنَّ هؤلاء سالمون مُسَلَّم منهم، مُجتمع بالفضل عليهم.
وابتُلى بالحرب أبوكَ، فكانت بنو أمية تَلعنه على المنابر كما تَلعن أهلَ الكفر في الصلاة المكتوبة، فاحتججنا له، وذكرنا فَضله، وعنَّفناهم، وظَلَّمناهم فيما نالوا منه.
وقد علمت أنَّ المكْرمة في الجاهلية سِقَايَةُ الحاجِّ الأعظم وولاية بئر زمزم، وكانت للعبَّاس من بين إخوته، وقد نازعَنا فيها أبوك، فقضى لنا بها رسولُ الله ، فلم نَزل نَليها في الجاهليَّة والإسلام. فقد علمتَ أنه لم يَبْق أحدٌ مِن بعد النبيِّ  من بني عبد المطلب غير العبَّاس وحدَه، فكان وارثَه من بين إخوته، ثم طَلَبَ هذا الأمرَ غيرُ واحد من بني هاشم، فلم يَنله إلاَّ ولدُه، فالسقاية سقايتُنا، وميراث النبيِّ  ميراثُنا، والخلافة بأيدينا، فلم يبقَ فَضل ولا شَرف في الجاهليَّة والإسلام إلاَّ والعبَّاس وارثه ومُورِّثه، والسلام".

هناك 9 تعليقات:

  1. عجيب احتج ان الملك جاءه من الرسول صلى الله عليه وسلم ميراث ياهل ترئ تحجب الابنة عن الابن الميراث

    ردحذف
  2. عجيب احتج ان الملك جاءه من الرسول صلى الله عليه وسلم ميراث ياهل ترئ تحجب الابنة عن الابن الميراث

    ردحذف
  3. هل يوجد وثائق او رسائل اخري يسعي العباسين من خلالها لتاكيد احقيتهم بالخلافه بارك الله فيك

    ردحذف
  4. الحمد لله على نعمة الديمقراطية

    ردحذف
  5. عندما يشرشحوا بني هاشم انفسهم بمثل هذه الرسائل والمهاترات هل كانوا يعتقدوا ان النبوة ميراث ام ملك ابدي!!؟
    واين كانت سلالة ابو لهب من الإرث والغنيمة الأبدية!!؟

    ردحذف
  6. كل الصراع والمجازر والكوارث التي حصلت بين ببني عبدمناف وهم بني امية وبين هاشم ثم استفلحت بين بني هاشم وهم العباسيين والعلويين هي على وسخ الدنيا وتحويل النبوة إلى ملك ابدي وليست على شي غير ذلك ولكن السؤال : ماذا كان نصيب سلالة ابو لهب من المهرجان والغنيمة الابدية!!؟

    ردحذف
  7. وهل النبؤه والرسالة توث الملك للقبيلة!!؟

    ردحذف
  8. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخواني باي جزء من كتاب الكامل بالأدب للمبرد اجد كامل الرسائل هذه بارك الله فيكم

    ردحذف